كم وصل عداد الكيلومترات لديك؟!
فهد عامر الأحمدي
لست خبيرا في كمال الأجسام - ولا أعتقد أننا شعب متميز في هذه الرياضة - ومع هذا أملك قناعة قديمة بعدم جدوى التمارين المرهقة والرياضات العنيفة.. أملك قناعة بخطورة تضخيم العضلات (بمستوى سوبرمان والرجل الأخضر) أو إرهاقها بقطع مائة متر خلال تسع ثوان فقط.
في سنوات المراهقة كنت معجبا بعضلات سلفستر ستالوني (في فيلم رامبو) ولكنني حين شاهدته مترهلا (في الجزء الرابع) أدركت أنني كنت على حق في نظريتي حول مساوىء الرياضة العنيفة.
فنظريتي تقول: إن الرياضة العنيفة تستهلك الجسم وتُسّرع في انهياره على المدى البعيد - وهذه بالطبع بشرى لشعب يعشق الكسل، وتمنعه الحرارة والصيام من الحركة ومزاولة التمارين.
ولفهم الفكرة يجب أن ندرك أولا أن عضلاتنا تتناسب دائما مع احتياجاتنا ومهامنا اليومية (كصعود الدرج، ورفع الفنجان، وحمل الأطفال، وتنظيف المكان).. أما الحصول على عضلات أكبر من ذلك فيتطلب حالة استثنائية من التمارين العنيفة التي ترهق القلب وتمزق الأنسجة - والمكملات الغذائية والأطعمة البروتينية التي تضغط على الكبد والكلى.
لو كانت العضلات الضخمة تأتي نتيجة مجهود طبيعي وغير مصطنع (كما يحصل لذراع الحداد أو رئتي الغواص أو بطن الراقصة) لكانت الفائدة أعظم والضرر أخف.. ولكن الرياضة العنيفة بطبيعتها حالة مصطنعة وموقتة ومبالغ فيها وتأتي على حساب العمر الافتراضي للجسم - وغالبا من أجل بطولة أو ميدالية أو مظهر رياضي لا يدوم طويلا.
حين تعيش حياتك العادية -بعضلاتك المتواضعة- تكون كسيارة يتم استخدامها بشكل عادي ومتوازن فتعمّر لفترة طويلة.. وفي المقابل يمكن استهلاك نفس السيارة خلال عامين أو ثلاثة بحيث تعيش فترة قصيرة وتتعرض أجزاؤها الداخلية للاهتراء بسرعة كبيرة.
حين كنت في منسوتا الأمريكية عام 1987 تعرّفت على مصارع عراقي ضخم وقوي ومثال لكمال الأجسام.. وحين عدت لأمريكا عام 1996 تواصلت معه ففوجئت كم بدا عجوزا ومترهلا ومرهقا - في حين لم يتغير شكلي المتواضع خلال نفس الفترة..
لم أتأكد من صحة ملاحظاتي إلا بعد أن قرأت كتابا يدعى (مدرسة قديمة، جسد جديد) لخبير رياضي يدعى ستيف هولمان استأجرته هوليود في أكثر من مناسبة لبناء أجسام الممثلين قبل أفلام الأكشن.. يقول في هذا الكتاب (Old School, New Body) إن التمارين العنيفة والطويلة لا ترهق فقط الجسم بل تعجل بشيخوخته.. ويؤكد في المقابل أن الرياضة المعتدلة والمتناغمة مع مستوى القلب والرئتين تمنحنا مظهرا شابا ولياقة عالية!!
.. أيضا هناك كتاب بعنوان "مابعد التمارين" (أوBeyond Training) لخبير يدعى بن جرينفيلد يستعرض فيه مخاطر التمارين العنيفة والطويلة- بدءا من انقطاع الدورة وصعوبة الإنجاب لدى النساء، وانتهاء باختلالات الغدة الكظرية ونسبة المعادن وارتفاع الضغط والإجهاد لدى الرجال!
.. باختصار شديد؛ لا يجب أن تتجاوز التمارين الرياضية مستوى يزيد قليلا على قدرات القلب والرئتين والدورة الدموية.. أكثر من ذلك تصبح إجهادا ومبالغة - حتى إن لم تؤدِ لنتائج عكسية - تعمل على استهلاك الجسم مبكرا وإصابته بالترهل فور تركها.
أتوقع فهمك للفكرة بوصولنا لنهاية هذا السطر ولكن للتأكيد؛ لاحظ أنني أتحدث منذ البداية عن الرياضة (العنيفة) كون الرياضة المعتدلة أمرًا مفيدًا ومهمًا لصحة الجسم - وإن سألتني عن رياضتي المفضلة لا أجد أفضل من المشي السريع كونه فعلًا طبيعيًا لايمكن لأحد فعله بشكل خاطئ!
.. باختصار؛ تخيّل نفسك كسيارة يود صاحبها المحافظة عليها لأطول فترة ممكنة، وأسأل نفسك دائما: "كم وصل لديّ عداد العمر مقارنة بأقراني؟"