منه تتولد العداوة، وهو سبب كل قطيعة، ومنتج كل وحشة، ومفرق كل جماعة، وقاطع كل رحم بين الأقرباء، ومحدث التفرق بين القرناء، وملقح الشر بين الخلطاء، يكمن في الصدر كمون النار في الحجر.
انه
الحســــــــــــد
والحسد -رحمك الله- أول خطيئة ظهرت في السموات، وأول معصية حدثت في الأرض، خص به أفضل الملائكة فعصى ربه، وقايسه في خلقه، واستكبر عليه فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}، فلعنه وجعله إبليساً، وأنزله من جواره بعد أن كان أنيساً، وشوه خلقه تشويهاً، وموه على نبيه تمويهاً نسي به عزم ربه، فواقع الخطيئة، فارتدع المحسود وتاب عليه وهدى، ومضى اللعين الحاسد في حسده فشقي وغوى.
وأما في الأرض فابنا آدم حيث قتل أحدهما أخاه، فعصى ربه وأثكل أباه، وبالحسد طوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين.
لقد حمله الحسد على غاية القسوة، وبلغ به أقصى حدود العقوق، فأنساه من رحمه جميع الحقوق، إذ ألقى الحجر عليه شادخاً وأصبح عليه نادماً صارخاً.
وما خالط الحسد قلباً إلا لم يمكنه ضبطه، ولا قدر على تسجينه وكتمانه، حتى يتمرد عليه بظهوره وإعلانه، فيستعبده ويستميله، ويستنطقه لظهوره عليه فهو أغلب على صاحبه من السيد على عبده، ومن السلطان على رعيته، ومن الرجل على زوجته ومن الآسر على أسيره.
والحاسد لا يغفل عن فرصته إلى أن يأتي الموت على رمته، وكيف يصبر من استكن الحسد في قلبه على أمانيه، ولقد كان إخوة يوسف حلماء، وأجلة علماء، ولدهم الأنبياء، فلم يغفلوا عما قدح في قلوبهم من الحسد ليوسف، حتى أعطوا أباهم المواثيق المؤكدة، والعهود المقلدة، والأيمان المغلظة، إنهم له لحافظون، وهو شقيقهم وبضعة منهم، فخالفوا العهود ووثبوا عليه بالظلم والقوة، وألقوه في غيابة الجب، وجاءوا على قميصه بدم كذب، فبظلمهم يوسف ظلموا أباهم، طمعاً أن يخلو لهم وجه أبيهم ويتفردوا بحبه، وظنوا أن الأيام تسليه، وحبه لهم من بعد غمه يلهيه، فأسالوا عبرته وأحرقوا قلبه.
فإذا أحسست -رحمك الله- من صديقك بالحسد فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصن سرك منه تسلم من شره وعوائق ضره، وإياك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنك خدع ملقه، وبيان ذلقه، فإن ذلك من حبائل نفاقه.
والغل نتيج الحسد، وهو رضيعه، وغصن من أغصانه، وعون من أعوانه، وشعبة من شعبه، وفعل من أفعاله، كما أنه ليس فرع إلا له أصل، ولا مولود إلا له مولد، ولا نبات إلا من أرض، ولا رضيع إلا من مرضع، وإن تغير اسمه؛ فإنه صفة من صفاته، ونبت من نباته، ونعت من نعوته.
ورأيت الله جل جلاله ذكر الجنة في كتابه فحلاها بأحسن حلية، وزينها بأحسن زينة، وجعلها دار أوليائه ومحل أنبيائه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ، فذكر في كتابه ما منّ به عليهم من السرور والكرامة عندما دخلوها وبوأها لهم فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}
فما أنزلهم دار كرامته إلا بعد ما نزع الغل والحسد من قلوبهم، فتهنوا بالجنة، وقابلوا إخوانهم على السرر، وتلذذوا بالنظر في مقابلة الوجوه لسلامة صدورهم، ونزع الغل من قلوبهم، ولو لم ينزع ذلك من صدورهم ويخرجه من قلوبهم، لافتقدوا لذاذة الجنة، وتدابروا وتقاطعوا وتحاسدوا، وواقعوا الخطيئة، ولمسهم فيها النصب، وأعقبوا منها الخروج، لأنه عز وجل فضل بينهم في المنازل، ورفع درجات بعضهم فوق بعض في الكرامات، وسنى العطيات.
____________________________
من أقوال الشعراء في الحسد:-
كُلٌّ العداواتِ قد تُرجى إقالُتها * * إلاّ عدواة من عاداكَ من حَسَدِ
فإنَّ في القَلبِ منها عُقدةً عُقِدَت * * وليس يَفْتَحُها راقٍ إلى الأبد
إلاّ الإلـهُ فإن يَرْحَم يْحَللُها ** وإن أباه فلا ترجوه من أحد
-------------------
حَسَدوا الفتى إذْ لم ينالواسَعَيه * * فالقومُ أعداءٌ لـه وخصُومُ
---------------------
ما ضرّني حسد اللئام ولم يزل * * ذو الفضل يحسُّده ذوو النقصان
-----------------------
إني حُسِدت فزاد اللـه فيحَسَدِي * * لا عَاش من عاش يوماً غيرَ محسود
-----------------------
إني نَشَأْتُ وحُسَّادي ذووعددٍ * * ياذا المَعَارِجِ لا تُنقِصْ لـهم عددا
إنْ يَحْسِدوني على ما بيلم بهِمِ ** فَمِثْلُ ما بِيَ مما يَجْلُب الحسدا
----------------------
إني لأَرْحَم حَاسِدَيّلِفَرطِ ما * * ضَمَّت صدورهمُ من الأَوغار
نظروا صنيعَ اللـه بيفعيُونُهم * * في جنةٍ وقلوبُهم في نار
لا ذنبَ لي قد رُمتُ كتم فضائلي * * فكأنّما بَرقَعتُها بنهار
-----------------------
جامل عدُوَّك ما استطعتَ فإنه * * بالرفق يُطمَع في صلاح الفاسِدِ
واحذر حسودك ما استطعتَ فإنه * * أن نمتَ عنه فليس عنك بِراقد
إن الحسودَ وان أراك تودّداً * * منه أضرّمن العدو الحاقد
ولربما رضي العدوّ إذا رأى * * منكَ الجميلَ فصار غيرُمُعانِدِ
ورِضى الحسود زوالُ نعمتك التي * * أوتيتَها من طارف أوتالِد
فاصبر على غيظ الحسود فنارُه * * ترمي حشاه بالعذابالخالد
أو ما رأيتَ النارَ تأكل نفسَها * * حتى تعوَد إلى الرّماد الـهامد
تَضفو على المحسود نعمةُ ربه * * ويذوب مِن كمدٍ فؤاد الحاسد
- - - - - - - - - - - - -
اذا نطق السفيه فلا تجبه** وخير من اجابته السكوت
فإن رددت عليه فرجت عنه ** وان سكت عنه يموت كمدا
_________________________________
مقتطفات من المواقع التالية:-
http://salemalajmi.com/articles/22.html
http://www.ala7ebah.com/upload/showthread.php?t=19502