النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: حبيبة وحبيبة .!

  1. #1
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    Sm156 حبيبة وحبيبة .!

    د. عبد المجيد البيانوني
    أنفاسه تصعد وتهبط. والتوتّر قد بلغ منه غايته، وعشرة أنفس في القصر كلّ يغطّ في غرفته، أو غرفتها في نوم عميق، وهو وحده قلق سهران، لا يعرف النوم ولا يعرفه. والسكون من حوله شبح يطارده من كلّ مكان في قصره الفخم المنيف. فلا يكاد يجلس في مكان حتّى يقوم، ولا يكاد يقف ينظر من النافذة المطلّة على الشارع، حتّى يبتعد عنها، وكأنّ أحداً قد أحسّ بجريمته، فهو يلاحقه بنظراته. وكأنّه من ضيقه يسبّها ويلعنها "ما الذي أخّرها عنّي هذه المرّة؟. لابدّ أن أعاتبها عتاباً شديداً. لن أقبل لها عذراً، ولن أسكت لها. لأرى ماذا ستفعل معي. في كلّ مرّة أريها أخلاقاً حسنة، هذا الذي أطمعها بي. لن أسامحها اليوم. لعلّها الآن تنام في فراشها، ولا تفكّر بشيء من عذابك".

    ونظر في ساعته، فازداد غيظه وغضبه. لقد مضى على موعدها خمس ساعات. كاد الليل ينتهي. ما فائدة حضورها الآن. ونظر في المائدة التي أعدّها لها، وما فيها من الأطباق الشهيّة التي طلبت منه بعضها، فتململ واشتدّ شوقه. هنا جلست منذ أيّام. آه لو طالت جلستها أكثر. آه لو رضيت أن تبقى عندي. ما أسوأ عاداتنا الظالمة. ولم يطق منظر أطباق الطعام أمامه. فخرج من غرفته، وهو يقول بغير شعور منه: "والله لن أذوقه ما لم تأت هذه الليلة" ومشى في الممرّات أمام الغرف المغلقة: "يا بؤس حياتي. وهنيئاً لمن ينام ملء جفونه"، وقادته قدماه إلى الحديقة ثمّ إلى خارج قصره، ووجد نفسه يمشي وحيداً في الشوارع الخاوية. وهدوء الليل يؤنسه أو يطارده، ويشفق عليه أو يسخر منه. وسمع من بعيد صوتاً نديّاً، يترنّم بتسبيحات وابتهالات، كان الكون كلّه ينصت إليها بخشوع. وتلحّن لها بعض الديكة بأصواتها الناعمة الشجيّة. وأحسّ صاحبنا بخشعة تسري في كيانه، فتنقله إلى عالم آخر. وانتبه من شروده إلى صوت حركة قريبة منه، فالتفت فإذا هو بشيخ يقارب السبعين من العمر. بصره لا يتجاوز موضع قدميه من طريقه. يمشي بهمّة كهمّة الشباب، قد ألقى بسجّادة صلاته على عاتقه، وأمسك بسبحة بيده، وهو يتمتم بأوراده وأذكاره، ومستغرق في عالم توحيده ومناجاته. وتجاوزه الشيخ، ولم يلتفت إليه. فاستدعى فضوله أن يتابع المسير وراءه. فتبعه حتّى بلغ المسجد المجاور. كان المسجد لم يفتح بعد. فافترش الشيخ سجّادته قريباً من مدخله. وجلس عليها يتابع أذكاره. وبعد سويعة حضر المؤذّن. وكأنّهما على ميعاد:

    ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخ رضوان!

    ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، صبّحك الله بالخير يا عم إحسان.

    ـ صبّحك الله بالخير والسعادة يا شيخ رضوان، كيف حالك.

    ـ بخير والحمد لله. لعلّي لم أتأخّر عليك كثيراً.

    ـ لا لا لم تتأخّر، بارك الله فيك وقوّاك.

    ـ كلّ يوم أنت تبكّر، هل تخاف أن تهرب حبيبتك. يا عم إحسان.

    ـ سامحك الله إنّ حبيبتي لا تهرب منّي أبداً. وجذب الكلام انتباه الشابّ، وطنّ في أذنه، فاقترب من الشيخ بغير شعور منه. فالتفت إليه الشيخ، ونظر نظرة متفرّسة، ثمّ عاد إلى شأنه.

    ـ فلماذا هذا التبكير في الحضور. ألم أقل لك إنّها لا تأتي إلاّ في وقتها.

    ـ ألا تفكّني من أسئلتك يا عم رضوان.

    ـ سامحني إنّ الحديث معك حلو على قلبي.

    ـ إنّني من شدّة شوقي أبكّر إليها. ولكنّها اليوم ستتأخّر دقيقة عن الأمس.

    ـ أجل! صدقت.

    وتذكّر الشابّ صاحبته! فضاق صدره، وامتعضت نفسه، وعادته الكآبة بعدما غابت عنه ونسيها قليلاً. وأراد أن يخرج عن كآبته، فالتفت إلى الشيخ، وقال له بينما كان المؤذّن يفتح أبواب المسجد: ومن هي حبيبتك يا عمّ؟.

    ـ فابتسم الشيخ ابتسامة خفيّة ذكيّة، وقال له: حبيبتي عروس حسناء. لم تعرف الدنيا حسناء مثلها، عزيزة كريمة، وفيّة أبيّة، عفيفة شريفة، نعمة معطاء، أتمنّى لكلّ إنسان أن يسعد بلقائها. إنّها تسعدني كلّ يومٍ بلقائها، وتنعشني بحديثها. وتؤنسني بقربها، تزفّها إليّ الألوف كلّ يوم في هذا الوقت، ثمّ تعود بها بعد أن ينتهي ميعادها. فهل عرفتها؟. فإن لم تعرفها فهلاّ تعرّفت عليها. ونعمت بلقائها وقربها. وشرد مرّة أخرى عقل الشابّ، وهو يتذكّر تخلّف صاحبته! فضاق صدره، وتجدّد انزعاجه، ثمّ عاد إلى حواره مع الشيخ.

    ـ إنّني لم أفهم كلامك يا سيّدي. فمن تعني.

    ـ فحدّق الشيخ بنظره في وجه الشابّ، وكأنّه يفيض عليه من سحر حاله، ما ينقله إلى عالم آخر: عجباً لك والله يا بني. أنت في زهرة شبابك، ولم تتعرّف على حبيبتي الوفيّة. ولم تجلس معها، وتأنس بلقائها. إنّها صلاة الفجر يا أخي! حبيبة قريبة، كريمة سخيّة، تعرّف عليها، واقترب منها، فإنّك لن تطيق عنها صبراً، ولا لها فراقاً، إنّ لقاءها والله يعدل الدنيا وما فيها.

    وأطرق الشابّ استحياء. ونفسه تقول له: أين أنت بهمّك وهمّتك، وعبثك وأوهامك. وأين هذا الشيخ بسموّه وعلوّ همّته. أيّ سعادة تلهث وراءها، وتبذل وقتك ومالك، وتحرق أعصابك، ولا تدرك منها إلاّ الوهم والسراب. وأيّ سعادة وبهجة يعيشها هذا الشيخ الوقور، ويتمتّع بها كلّ يوم. وهل صحيح ما يقول عن صلاة الفجر. إن لم يكن كلامه صحيحاً، فما الذي يدعوه إلى أن يترك فراشه في هذا الوقت المبكّر، ويأتي بهذه الهمّة والشوق، يقف على باب المسجد ينتظر.

    وانسلّ الشابّ من أمام الشيخ، وتبعه الشيخ بنظراته الرحيمة المشفقة، وذهب وتوضّأ، ودخل المسجد. وكانت بداية عهده مع هذه الحبيبة الوفيّة. التي غمرت حياته بالسعادة والرضا، والأنس والبهجة.

  2. #2
    انجليزي فعال الصورة الرمزية sunset*
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    الدولة
    another world
    المشاركات
    141
    معدل تقييم المستوى
    224

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    قصة أكثر من رائعة و معبرة و مؤثرة
    بارك الله فيك يا أستاذي وأسعدك وجزاك خيرا جزيلا
    [SIZE="6"]اللهم إنانسألك الجنة
    وماقرب إليها من قول أو عمل
    [/SIZE
    ]

  3. #3
    شخصية بارزة الصورة الرمزية breezemsa
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    in the MooN
    المشاركات
    1,322
    معدل تقييم المستوى
    8780

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    اسعدك الله ورزقك علما نافعا وعملا صالحا متقبلا وجنة عرضها السموات والارض


    قصه مذكره
    اناقة لسانك هي ترجمة لاناقة فكرك
    فلا ترفع صوتك بل ارفع مستوى كلماتك

  4. #4
    مشرف المنتدى التعليمي العام ومنتدى التعاميم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    الدولة
    حائل
    المشاركات
    12,209
    معدل تقييم المستوى
    492178

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    جزاك الله خير

  5. #5
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    الله يرفع قدرك في الدارين أختي الكريمة (sunset*) على تشريفك ودعواتك المؤثرة.

  6. #6
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    آمين .. آمين .. آمين وإياك أختي الفاضلة (breezemsa) وأحبابنا أجمعين.

  7. #7
    مميز
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    بلا انتماء على أرض تعلوها سماء
    المشاركات
    1,867
    معدل تقييم المستوى
    26495

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    رااااااااااااااااااااائعة ..
    أبكت القلب قبل العين .

    أسعدك الله وأنار بصرك وبصيرتك بتقواه..
    "ربنا آتنا في الدنيا حسنة
    وفي الآخرة حسنة
    وقنا عذاب النار "

  8. #8
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    اللهم آمين وإياك أخي الفاضل (علاء).

  9. #9
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    اللهم آآآآمين يا رب العالمين وإياك أختي الكريمة (نس-رين).

  10. #10
    انجليزي مبدع
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    on the land
    المشاركات
    433
    معدل تقييم المستوى
    3082

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    أسأل الله أن تكون هذه حبيبة كل شاب مسلم,, االلهم امين

    يعطيك العافيه

  11. #11
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    الله يعافيك ويرفع قدرك أختي الكريمة (نيو ميس).

  12. #12
    انجليزي مشارك
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    المشاركات
    61
    معدل تقييم المستوى
    89

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    جزاك الله خير
    ننتظر جديدك

  13. #13
    مشرف المنتدى الاسلامي الصورة الرمزية dear
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    دار ممر وكفى !!!
    المشاركات
    11,928
    معدل تقييم المستوى
    2731

    رد: حبيبة وحبيبة .!

    اللهم آمين وإياك أختي الكريمة (ميمو الرياض).

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •