لماذا يكره العالم أمريكا؟

قراءة: خالد الخليفة 6/7/1427
31/07/2006


المؤلف ضياء الدين سردار و ميريل وين ديفيز
ترجمة معين الإمام
الناشر مكتبة العبيكان/الطبعةالعربية الأولى 1426 هـ
الصفحات 434 من القطع المتوسط

ليس من المستغرب أن يكون هذا الكتاب أحد أكثر الكتب مبيعاً، ويترجم إلى أكثر من (22) لغة في العالم, فهو جاء في وقت يتساءل فيه الأمريكييون ويقولون: لماذا يكرهوننا؟
فبعد أحداث 11 سبتمر أخذ الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن, يظهر على شاشات التلفاز ليتساءل متصنّعاً البراءة: "لماذا يكرهوننا؟"، ويصمت للحظات، ثم يأتي بعقليّته الخارقة للعادة، ويجيب عن التساؤل الذي طرحه ويقول: إنهم يكرهون حضارتنا وديموقراطيتنا وشعبنا .... الخ. ويبدأ بعدها الرئيس بسرد الصفات العظيمة للجنس الأنجلوسكسوني الذي بسببها يقوم " المتخلّفون الإرهابيون" بالعمليات المسلحة، دون أن يترك المجال للمفكرين والمنصفين بدراسة الظاهرة.
وكان هذا العذر بالإضافة لأسلحة الدمار الشامل عذراً منطقياً لغزو العراق؛ فلقد اقتنع قطاع كبير من الشعب الأمريكي بهذا المسوّغ. لكن مع بداية عمليات المقاومة العراقية واستمرارها على الرغم من تنفيذ انتخابات "ديموقراطية" على المقاس الأمريكي. فأدت ظاهرة المقاومة إلى ما بعد الديموقراطية لتساؤل قطاع من الشعب الأمريكي عن السبب الحقيقي لكره العالم للأمريكيين, فأتى هذا الكتاب من رحم هذا السؤال؛ محاولاً تفسير ظاهرة الكره العالمي لأمريكا, ليس في العالم الإسلامي فقط, بل على الصعيد العالمي, فهناك الصين وأمريكا اللاتينية بل وجزء من شعوب أوروبا.
وما يميز المؤلفين أنهم اتخذوا طريقة جديدة في دراسة السياسة الأمريكية؛ فهم لم يسلكوا طريق المؤيدين لسياسة المحافظين الجدد, بالتأييد الأعمى لهم, ولم يتجهوا للفريق الآخر بالنقد دون حقائق علمية, بل قاما بقراءة السياسة الأمريكية في الاقتصاد والزراعة وحقوق الإنسان ...الخ, ثم ذِكْر نتائجها، وختمها بالدراسات والاستفتاءات على سكان تلك المناطق والدول.
بدأ الكتاب بانتقاد السياسة الإعلامية الموجودة في أمريكا. فكيف أنها تهاجم الناس وتصنفهم مباشرة دون أي رؤية موضوعية!! وكيف يصور إعلامهم أن المسلم و العربي ليس سوى إنسان همجيّ متخلّف يعشق القتل والتخريب؟
موقف اليمين برمته أوجزتْه بأسلوب متقن مقالة مطولة كتبها المؤرخ العسكري (فيكتور ديفيز هانسون) في مجلة (سيتي جورنال) "إنهم يكرهوننا؛ لأن ثقافتهم متخلفة وفاسدة، ولأنهم يحسدون قوّتنا وهيبتنا ونفوذنا"، ويضيف قائلاً: "نحن أقوياء عسكرياً، والعالم العربي ضعيف ذليل, لا بسبب تفوّقنا في الشجاعة والعدد وحاصل الذكاء، أو نتيجة وجود كمية أكبر من الخامات والمعادن النفيسة لدينا أو الجو الأنسب, بل بسبب ثقافتنا, وحين يتعلق الأمر بالحرب فإن ملياراً من البشر ونفط العالم كله لا يفيدان من الناحية العسكرية مثل معهد (ماساتشوستس) للتكنلوجيا أو مجلس النواب".
والمشكلة الأخرى في الإعلام الأمريكي, هي محاربة ومهاجمة كل من لا يتفق مع النظرية الأمريكية في تفسير الهجمات ونظرتها لبقية العالم.
فمن يحاول أن يذكر السبب الحقيقي لهجمات سبتمبر، وهي السياسة الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط, يكون وقتها حسب الإعلام الأمريكي متعاطفاً بل وإرهابياً وإنساناً يفتقر إلى الحس الوطني, فعلى سبيل المثال تعرضت المحاضرة في الآداب الكلاسيكية في جامعة كمبردج "إن الولايات المتحدة نالت جزاء ما فعلت, فالمستأسدون في العالم, حتى وإن كانت قلوبهم في مكانها الصحيح, لا بد أن يدفعوا الثمن في نهاية المطاف".
وقد لقيت هذه المقالة هجوماً واسعاً وشديداً في الصحافتين الأمريكية والبريطانية.
وذكر كيف أن الإعلام الأمريكي رسم نظرية محددة ينظر بها الأمريكيون تجاه العرب, فهم ليسوا سوى مجموعة من البدو المتخلّفين الذين يملكون الكثير من المال، ولكن لايعرفون كيف يتصرفون به، وأنهم أناس وحشيّون همجيّون لا يعرفون شيئاً غير القتل. هذه الرؤية الإعلامية الأمريكية اتضحت آثارها أثناء وقوع عمليات سبتمبر, فلقد خطر ببال الأمريكيين والعالم الغربي عموماً أثناء العملية مباشرة أن من قاموا بها هم (عرب – مسلمون – أصوليون – تكفيريون) وقبل أن تظهر أي نتائج تحقيق في العملية.
بعدما أفرد الكاتبان الفصلين الأول و الثاني للحديث عن الإعلام الأمريكي, فقاما في الفصل الثالث بالحديث عن كيفية سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي, فهي لم تكتفِ بالاستيلاء على البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة الدولية فقط، بل قامت بأعمال يجعل من أمريكا تقتات على حساب الدول الفقيرة والنامية ذكرها في سبع فقرات, نوجزها هنا باختصار شديد:
1- الولايات المتحدة استفادت من عملتها المهيمنة على العالم, وهذا يعني استفادتها من أرباح سك العملة (الفرق بين القيمة الاسمية للعملة وتكاليف إنتاجها) أي النقود المجانية, من أرباح إصدار الدولار لاستخدامه كنقد سائل في مختلف أرجاء العالم, وظهرت نتائجها جلياً في عهد (ريغان/تاتشر) أي التحكم بالموارد المالية, وذلك برفع معدلات الفائدة إلى مستويات قياسية، الأمر الذي عجّل بانهيار المكسيك مالياً عندما أوعزت الولايات المتحدة إلى النخب المسيطرة على الاقتصاد بسحب الأموال من المكسيك إلى الولايات المتحدة بعد رفع الفائدة. وهذا له نتائج وخيمة, فلا يتيح للدولة سوى خيارين أحلاهما مرُّ, الأول أن تسمح بتعويم عملتها، وهو خيار صعب في وجه قوة الدولار واليورو والين أو ربطها بالدولار أي "دولرة" عملتها, وهو خيار مخفق أدّى إلى عواقب مروّعة بالنسبة للأرجنتين مثلاً, عندما هربت رؤوس الأموال الأمريكية.
2- تحرم الولايات المتحدة ثلثي سكان العالم من التحكم الديموقراطي بمصائرهم الاقتصادية. وليس لدى معظم دول العالم أي تأثير في قرارات صندوق النقد الدولي, أما السياسيات المرتبطة بقروض صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص فتمهّد السبيل للملكية الأجنبية والهيمنة على الاقتصاد, لا سيما في القطاعين: التصنيعي والمالي, مثلما حدث في جنوب شرق آسيا بعد الأزمة الاقتصادية؛ إذ اشتُرط على تايلند و كوريا الجنوبية السماح بالمزيد من الملكية الأجنبية لاقتصادها.
3- (تحرير التجارة) على المقاس الأمريكي، يعني حرية وصول الشركات الأمريكية التجارية والمتعددة الجنسيات إلى دول العالم. وتبعاً "لاتفاقية الزراعة" ضمن إطار منظمة التجارة الدولية, وبرامج "الإصلاح الهيكلي" المفروضة من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين, يتوجب على الدول النامية فتح أسواقها للمنتجات الزراعية الأمريكية الرخيصة، وتخفيض التعريف الجمركي, وأن تقلل الدول الفقيرة من دعمها للمزارعين المحليين. وبعدُ فقد أدت هذه القرارات حسب منظمة "أوكسفام" الأوربية على سبيل المثال: أنها فاقمت من حدة الفقر في الأرياف، ودمّرت مصدر رزق المزارعين الصغار, في حين مكّنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تصدير بضائعها بأسعار رخيصة إلى الدول النامية؛ حيث أفلس المزارعون بعد أن فقدوا قدرتهم على المنافسة.
4- وضعت الولايات المتحدة دول العالم الثالث بين فكّي كماشة تقليدية: فمن جهة مهدت السبيل للأعمال التجارية المعتمدة على تقنيتها للدخول بشكل مباشر واقتناص أسواق العالم, ومن جهة أخرى عملت على كبح الجهود التي تبذلها الدول النامية لتعزيز ودعم منتجاتها وصادراتها, وحظرها في الأسواق الأمريكية.

5- تعمل الولايات المتحدة بشكل منهجي على تقويض جهود ومساعي الدول الأقل تطوراً لمحاربة الفقر وإطعام سكانها. فقد فرضت رسوماً جمركية ضخمة على المحاصيل الزراعية مثل الأرز والسكر, وعلى سبيل المثال فرضت على الفول السوداني ما نسبته 100%، مما تسبب في نتائج كارثية تقدر بـ(2.5) مليار دولار سنوياً من العملة الصعبة.
6- نهبت الولايات المتحدة الدول الأقل تطوراً, مما زاد في فقرها, على سبيل المثال "مرسوم النمو و الفرصة المتاحة لإفريقية" الذي وقّعه الرئيس جورج بوش الابن في اكتوبر 2001 ليتحول لقانون ضد الدول الإفريقية ونهب ثرواتها, ولم تسمح حكومة الولايات المتحدة للمنتجات الإفريقية بدخول أراضيها، إلا لتلك التي لن يكون لها تأثير سلبي على السوق الأمريكية.
7- عملت أمريكا بإصرار على تخفيض أسعار السلع في الدول النامية, فأقنعت الولايات المتحدة الدول الفقيرة بمكافحة التضخم لكن كيف؟ لمواجهة التضخم تقوم -وفق المنطق الأمريكي- إلى بزيادة صادراتها إلى الدول النامية لكن بأسعار رخيصة جداً لمنتجاتها بسبب كثرة المعروض وقلة الطلب, مثل ماحصل تجارة الشاي والبن؛ إذ أدت هذه العملية إلى انخفاض أسعارها، مما أدى بالشركات المتعددة الجنسيات إلى شرائها بسعر منخفض، وإعادة إنتاجها بأسعار مرتفعة مقارنة بسعرها من المصدر الرئيس.
8- كأنما كل ماتقدم ليس كافياً, فقد فرضت الولايات المتحدة, بشكل منتظم إجراءات اقتصادية قسرية من جانب واحد عُرفت باسم "العقوبات"، ففي العام 1998 وحده فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات مختلفة على (75) بلداً, تضم 52% من سكان العالم!!
أما البيئة العالمية فيجب على سكان الأرض أن يتحملوا مضاعفات المصانع والمنشآت النووية إذا كان هذا يرضي العم سام, فبروتوكول "كيوتو" الذي أُقر تطبيقه عام 1997 في اجتماع منظمة تابعة للأمم المتحدة في اليابان, وضع أهدافاً محددة لتقليص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تلفظه مصانع السيارات والصناعات التي تعتمد على الوقود المستخرج من باطن الأرض, ويطالب الاتفاق الدول الصناعية بتخفيض نسبة انبعاث الغاز بحلول عام 2012, لكن في عام 2001 أعلنت ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش انسحابها من الاتفاقية الذي تسبب بسخط عالمي واحتجاجات واسعة! حتى الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة قالت: إن هذا سيسبب بزيادة الغازات بنسبة 33%.
وقال مستشار شؤون الطاقة في المملكة العربية السعودية: "محمد الصبان" إن تصريح بوش كان بمثابة إعلان وفاة بروتوكول كيوتو.

بعد هذا الشرح عن كيفية سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي, ذكروا كيف تعاملت الولايات المتحدة مع ثقافتها. وكيف أن أمريكا تعدّ ثقافتها سلعة يجب ترويجها في العالم.
فعلى سبيل المثال "همبرغر". فأينما ذهبت في هذا العالم ستجدها, فلو انتقلت إلى غابات البرازيل أو صحاري شمال إفريقية أو إلى سور الصين العظيم وحتى وسط العاصمة نيودلهي؟ فستجد حتماً مجموعة من المطاعم الأمريكية مثل ماكدونالدز وبرجر كنج وغيرهما. يقول وزير خارجية أمريكا الأسبق (كولن باول): " ليس ثمة خطأ في تعيين شخص يعرف كيف يبيع شيئاً, أما الشيء الذي تبيعه يبرز فهو ماركة ممتازة جذابة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية, والرئيس ووزير الخارجية هم الرمزان المعبران عن الماركة" .
بل إن أمريكا لن تضطر لدفع الملايين لنشر ثقافتها وأسلوب الحياة فيها, فهي في أحيان كثيرة تعتبر أن ثقافتها ليست سلعة يجب تسويقها, بل قنبلة بيلوجية يتولى الناس نشرها ؟! فأمريكا لا تمانع مثلاً أن تقوم العشرات بل المئات من المطاعم التي تنافس مكدونالد بانتاج الهمبرغر بأسماء تلك البلدان الآسيوية أو الأوروبية ,... لا يهم ... المهم هو نشر الثقافة الأمريكة على أوسع نطاق.

بعد ذلك تحدث الكاتبان في الفصول الثلاثة الأخيرة عن فكرة واحدة وهي الولايات المتحدة والعنف..!
وكيف ان حملة بوش الصليبية على أفغانستان والعراق ليست مجرد حملة عسكرية إنما هي جزء من الذات. ونظرية الكابوي الاحتقارية لكل ماهو دون الجنس الإنجلوسكسوني.
بل إن العنف كان في كل مرحلة عنصراً محورياً لتعريف هوية أمريكا.
وهو مقترن بازدواجية المعايير التي تتعامل بها أمريكا, فعلى الرغم من أنها كما تدعي راعي حقوق الإنسان العالمي, قصفت هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية, بل وكيف أنها تدخلت لمرات عديدة لقلب الحكم أو خلع رئيس، وخاصة في دول وسط آسيا و أمريكا اللاتينية, وكيف أن الجيش الأمريكي نفسه يقوم بتسليح الجماعات المسلحة في تلك الدول وخاصة كولمبيا, وكل ما لاحت بادرة سلام في تلك الدول تدخلت تلك المليشيات بأوامر من أمريكا لإعادة الوضع إلى ما كان عليه بل أسوأ مما كان عليه.
ولم تكتفِ أمريكا بهذا بل قامت من خلال برامجها و أفلامها بزرع في نفوس شعبها أن الموجود في الدنيا هو (الخير والشر فقط) وعند حدوث أمر ما في الأرض فإن أمريكا هي الأمة المصطفاة من الله، وأن الشر هو الآخر, وهذا يوضح سبب تأييد كثيير من الأمريكيين للحرب على العراق، على الرغم من عدم وجود أسباب منطقية (هذه التأييد كان قبل الحرب), ولم تكتف بذلك، بل قامت بنشر: كيف أن الوحيد الذي يستطيع أن يحل مشاكل العالم هي أمريكا وشعبها المخلص!!
فكم من قلم أو برنامج تلفازيّ يُعرض أن العالم بأسره والكون معرّض لخطر الزوال إما بسبب مخلوقات فضائية أو مجموعة من الإرهابيين الذين يملكون قنابل نووية سرقوها من الاتحاد السوفيتي, ويحاولون أن يدمروا الأرض, لكن يأتي الجندي الأمريكي المخلص للبشرية بإنقاذ العالم من هذا الخطر على حياة الناس أجمعين؟! وهذا من أهم مسببات نظرات الاستعلاء، وعدم قبول أي انتقاد لسياسة بلادهم خاصة الخارجية منها.