النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

  1. #1
    شخصية بارزة
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    في قلب كل مين يسأل عني
    المشاركات
    7,839
    معدل تقييم المستوى
    4551

    22 عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

    عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

    سمير حلبي

    فتوحات عمر بن الخطاب



    لم تتحقق الدولة الإسلامية بصورتها المثلى في عهد أيٍّ من عهود الخلفاء والحكام مثلما تحققت في عهد الخليفة الثاني "عمر بن الخطاب" (رضي الله عنه) الذي جمع بين النزاهة والحزم، والرحمة والعدل، والهيبة والتواضع، والشدة والزهد.

    ونجح الفاروق (رضي الله عنه) في سنوات خلافته العشر في أن يؤسس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، فقامت دولة الإسلام، بعد سقوط إمبراطورتي "الفرس" و"الروم" - لتمتد من بلاد فارس وحدود الصين شرقًا إلى مصر وإفريقية غربًا، ومن بحر قزوين شمالا إلى السودان واليمن جنوبًا، لقد استطاع "عمر" (رضي الله عنه) أن يقهر هاتين الإمبراطوريتين بهؤلاء العرب الذين كانوا إلى عهد قريب قبائل بدوية، يدبُّ بينها الشقاق، وتثور الحروب لأوهى الأسباب، تحرِّكها العصبية القبلية، وتعميها عادات الجاهلية وأعرافها البائدة، فإذا بها - بعد الإسلام - تتوحَّد تحت مظلَّة هذا الدين الذي ربط بينها بوشائج الإيمان، وعُرى الأخوة والمحبة، وتحقق من الأمجاد والبطولات ما يفوق الخيال، بعد أن قيَّض الله لها ذلك الرجل الفذّ الذي قاد مسيرتها، وحمل لواءها حتى سادت العالم، وامتلكت الدنيا.

    مولد عمر ونشأته

    وُلِد عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزَاح بن عديّ (رضي الله عنه) في مكة ونشأ بها، وكان أبوه "الخطاب" معروفًا بشدَّته وغلظته، وكان رجلاً ذكيًّا، ذا مكانة في قومه، شجاعًا جريئا، كما كان فارسًا من فرسان العرب، شارك في العديد من الحروب والمعارك، وكان على رأس بني عدي في حرب الفجار، وقد تزوَّج "الخطاب" عددًا من النساء، وأنجب كثيرًا من الأبناء.

    وحظي عمر (رضي الله عنه) - في طفولته - بما لم يَحْظَ به كثير من أقرانه من أبناء قريش، فقد تعلَّم القراءة والكتابة، ولم يكن يجيدها في قريش كلها غير سبعة عشر رجلاً.

    ولما شبَّ عُمر (رضي الله عنه) كان يرعى في إبل أبيه، وكان يأخذ نفسه بشيء من الرياضة، وقد آتاه الله بسطة من الجسم، فأجاد المصارعة، وركوب الخيل، كما أتقن الفروسية والرمي.

    وكان عمر (رضي الله عنه) - كغيره من شباب "مكة" قبل الإسلام - محبًّا للهو والشراب، وقد ورث عن أبيه ميلاً إلى كثرة الزوجات، فتزوَّج في حياته تسع نساء، وَلَدْن له اثني عشر ولدًا (ثمانية بنين وأربع بنات)، ولم يكن كثير المال، إلا أنه عرف بشدة اعتداده بنفسه حتى إنه ليتعصب لرأيه ولا يقبل فيه جدلاً.

    وعندما جاء الإسلام وبدأت دعوة التوحيد تنتشر، أخذ المتعصِّبون من أهل مكة يتعرضون للمسلمين ليردوهم عن دينهم، وكان "عمر" من أشدِّ هؤلاء حربًا على الإسلام والمسلمين، ومن أشدهم عداء للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه.

    إسلام عُمر

    وظلَّ "عمر" على حربه للمسلمين وعدائه للنبي (صلى الله عليه وسلم) حتى كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة، وبدأ "عمر" يشعر بشيء من الحزن والأسى لفراق بني قومه وطنهم بعدما تحمَّلوا من التعذيب والتنكيل، واستقرَّ عزمه على الخلاص من "محمد"؛ لتعود إلى قريش وحدتها التي مزَّقها هذا الدين الجديد! فتوشَّح سيفه، وانطلق إلى حيث يجتمع محمد وأصحابه في دار الأرقم، وبينما هو في طريقه لقي رجلاً من "بني زهرة" فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا، فقال: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم! وأخبره بإسلام أخته "فاطمة بنت الخطاب"، وزوجها "سعيد بن زيد بن عمر" (رضي الله عنه)، فأسرع "عمر" إلى دارهما، وكان عندهما "خبَّاب بن الأرت" (رضي الله عنه) يقرئهما سورة "طه"، فلما سمعوا صوته اختبأ "خباب"، وأخفت "فاطمة" الصحيفة، فدخل عمر ثائرًا، فوثب على سعيد فضربه، ولطم أخته فأدمى وجهها، فلما رأى الصحيفة تناولها فقرأ ما بها، فشرح الله صدره للإسلام، وسار إلى حيث النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، فلما دخل عليهم وجل القوم، فخرج إليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف، وقال له: أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال، ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فكبَّر رسول الله والمسلمون، فقال عمر: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلى، قال: ففيم الاختفاء؟ فخرج المسلمون في صفين حتى دخلوا المسجد، فلما رأتهم قريش أصابتها كآبة لم تصبها مثلها، وكان ذلك أول ظهور للمسلمين على المشركين، فسمَّاه النبي (صلى الله عليه وسلم) "الفاروق" منذ ذلك العهد.

    الهجرة إلى المدينة

    كان إسلام "الفاروق" عمر في ذي الحجة من السنة السادسة للدعوة، وهو ابن ست وعشرين سنة، وقد أسلم بعد نحو أربعين رجلاً، ودخل "عمر" في الإسلام بالحمية التي كان يحاربه بها من قبل، فكان حريصًا على أن يذيع نبأ إسلامه في قريش كلها، وزادت قريش في حربها وعدائها للنبي وأصحابه؛ حتى بدأ المسلمون يهاجرون إلى "المدينة" فرارًا بدينهم من أذى المشركين، وكانوا يهاجرون إليها خفية، فلما أراد عمر الهجرة تقلد سيفه، ومضى إلى الكعبة فطاف بالبيت سبعًا، ثم أتى المقام فصلى، ثم نادى في جموع المشركين: "من أراد أن يثكل أمه أو ييتم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي".

    وفي "المدينة" آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بينه وبين "عتبان بن مالك" وقيل: "معاذ بن عفراء"، وكان لحياته فيها وجه آخر لم يألفه في مكة، وبدأت تظهر جوانب عديدة ونواح جديدة، من شخصية "عمر"، وأصبح له دور بارز في الحياة العامة في "المدينة".

    موافقة القرآن لرأي عمر

    تميز "عمر بن الخطاب" بقدر كبير من الإيمان والتجريد والشفافية، وعرف بغيرته الشديدة على الإسلام وجرأته في الحق، كما اتصف بالعقل والحكمة وحسن الرأي، وقد جاء القرآن الكريم، موافقًا لرأيه في مواقف عديدة من أبرزها: قوله للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى: فنزلت الآية ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [ البقرة: 125]، وقوله يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب: (وإذا سألتموهن متاعًا فسألوهن من وراء حجاب) [الأحزاب: 53].

    وقوله لنساء النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد اجتمعن عليه في الغيرة: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن) [ التحريم: 5] فنزلت ذلك.

    ولعل نزول الوحي موافقًا لرأي "عمر" في هذه المواقف هو الذي جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه".

    وروي عن ابن عمر: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر بن الخطاب، إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر رضي الله عنه".

    الفاروق خليفة للمسلمين

    توفي النبي (صلى الله عليه وسلم) وتولى الصديق "أبو بكر"، خلافة المسلمين، فكان عمر بن الخطاب، وزيره ومستشاره الأمين، وحمل عنه عبء القضاء فقام به خير قيام، وكان "عمر" يخفي وراء شدته، رقة ووداعة ورحمة عظيمة، وكأنه يجعل من تلك الشدة والغلظة والصرامة ستارًا يخفي وراءه كل ذلك الفيض من المشاعر الإنسانية العظيمة التي يعدها كثير من الناس ضعفًا لا يليق بالرجال لا سيما القادة والزعماء، ولكن ذلك السياج الذي أحاط به "عمر" نفسه ما لبث أن ذاب، وتبدد بعد أن ولي خلافة المسلمين عقب وفاة الصديق.

    الفاروق يواجه الخطر الخارجي

    بويع أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" خليفة للمسلمين في اليوم التالي لوفاة "أبي بكر الصديق" [ 22 من جمادى الآخرة 13 هـ: 23 من أغسطس 632م].

    وبدأ الخليفة الجديد يواجه الصعاب والتحديات التي قابلته منذ اللحظة الأولى وبخاصة الموقف الحربي الدقيق لقوات المسلمين بالشام، فأرسل على الفور جيشًا إلى العراق بقيادة أبي عبيدة بن مسعود الثقفي" الذي دخل في معركة متعجلة مع الفرس دون أن يرتب قواته، ولم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه الذين نبهوه إلى خطورة عبور جسر نهر الفرات، وأشاروا عليه بأن يدع الفرس يعبرون إليه؛ لأن موقف قوات المسلمين غربي النهر أفضل، حتى إذا ما تحقق للمسلمين النصر عبروا الجسر بسهولة، ولكن "أبا عبيدة" لم يستجب لهم، وهو ما أدى إلى هزيمة المسلمين في موقعة الجسر، واستشهاد أبي عبيدة وأربعة آلاف من جيش المسلمين.

    الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق

    بعد تلك الهزيمة التي لحقت بالمسلمين "في موقعة الجسر" سعى "المثنى بن حارثة" إلى رفع الروح المعنوية لجيش المسلمين في محاولة لمحو آثار الهزيمة، ومن ثم فقد عمل على استدراج قوات الفرس للعبور غربي النهر، ونجح في دفعهم إلى العبور بعد أن غرهم ذلك النصر السريع الذي حققوه على المسلمين، ففاجأهم "المثنى" بقواته فألحق بهم هزيمة منكرة على حافة نهر "البويب" الذي سميت به تلك المعركة.

    ووصلت أنباء ذلك النصر إلى "الفاروق" في "المدينة"، فأراد الخروج بنفسه على رأس جيش لقتال الفرس، ولكن الصحابة أشاروا عليه أن يختار واحدًا غيره من قادة المسلمين ليكون على رأس الجيش، ورشحوا له "سعد بن أبي وقاص" فأمره "عمر" على الجيش الذي اتجه إلى الشام حيث عسكر في "القادسية".

    وأرسل "سعد" وفدًا من رجاله إلى "بروجرد الثالث" ملك الفرس؛ ليعرض عليه الإسلام على أن يبقى في ملكه ويخيره بين ذلك أو الجزية أو الحرب، ولكن الملك قابل الوفد بصلف وغرور وأبى إلا الحرب، فدارت الحرب بين الفريقين، واستمرت المعركة أربعة أيام حتى أسفرت عن انتصار المسلمين في "القادسية"، ومني جيش الفرس بهزيمة ساحقة، وقتل قائده "رستم"، وكانت هذه المعركة من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، فقد أعادت "العراق" إلى العرب والمسلمين بعد أن خضع لسيطرة الفرس قرونًا طويلة، وفتح ذلك النصر الطريق أمام المسلمين للمزيد من الفتوحات.

    الطريق من المدائن إلى نهاوند

    أصبح الطريق إلى "المدائن" عاصمة الفرس ـ ممهدًا أمام المسلمين، فأسرعوا بعبور نهر "دجلة" واقتحموا المدائن، بعد أن فر منها الملك الفارسي، ودخل "سعد" القصر الأبيض ـ مقر ملك الأكاسرة ـ فصلى في إيوان كسرى صلاة الشكر لله على ما أنعم عليهم من النصر العظيم، وأرسل "سعد" إلى "عمر" يبشره بالنصر، ويسوق إليه ما غنمه المسلمون من غنائم وأسلاب.

    بعد فرار ملك الفرس من "المدائن" اتجه إلى "نهاوند" حيث احتشد في جموع هائلة بلغت مائتي ألف جندي، فلما علم عمر بذلك استشار أصحابه، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع الفرس والقضاء عليهم فبل أن ينقضوا على المسلمين، فأرس عمر جيشًا كبيرًا بقيادة النعمان بن مقرن على رأس أربعين ألف مقاتل فاتجه إلى "نهاوند"، ودارت معركة كبيرة انتهت بانتصار المسلمين وإلحاق هزيمة ساحقة بالفرس، فتفرقوا وتشتت جمعهم بعد هذا النصر العظيم الذي أطلق عليه "فتح الفتوح".

    فتح مصر

    اتسعت أركان الإمبراطورية الإسلامية في عهد الفاروق عمر، خاصة بعد القضاء نهائيًا على الإمبراطورية الفارسية في "القادسية" ونهاوند ـ فاستطاع فتح الشام وفلسطين، واتجهت جيوش المسلمين غربًا نحو أفريقيا، حيث تمكن "عمرو بن العاص" من فتح "مصر" في أربعة آلاف مقاتل، فدخل العريش دون قتال، ثم فتح الفرما بعد معركة سريعة مع حاميتها، الرومية، واتجه إلى بلبيس فهزم جيش الرومان بقيادة "أرطبون" ثم حاصر "حصن بابليون" حتى فتحه، واتجه بعد ذلك إلى "الإسكندرية" ففتحها، وفي نحو عامين أصبحت "مصر" كلها جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية العظيمة.

    وكان فتح "مصر" سهلاً ميسورًا، فإن أهل "مصر" ـ من القبط ـ لم يحاربوا المسلمين الفاتحين، وإنما ساعدوهم وقدموا لهم كل العون؛ لأنهم وجدوا فيهم الخلاص والنجاة من حكم الرومان الطغاة الذين أذاقوهم ألوان الاضطهاد وصنوف الكبت والاستبداد، وأرهقوهم بالضرائب الكثيرة.

    عمر أمير المؤمنين

    كان "عمر بن الخطاب" نموذجًا فريدًا للحاكم الذي يستشعر مسئوليته أمام الله وأمام الأمة، فقد كان مثالا نادرًا للزهد والورع، والتواضع والإحساس بثقل التبعة وخطورة مسئولية الحكم، حتى إنه كان يخرج ليلا يتفقد أحوال المسلمين، ويلتمس حاجات رعيته التي استودعه الله أمانتها، وله في ذلك قصص عجيبة وأخبار طريفة، من ذلك ما روي أنه بينما كان يعس بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلا قاعدًا فاقترب منه وسلم عليه، وسأله عن خبره، فعلم أنه جاء من البادية، وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد، فانطلق عمر إلى بيته فقال لامرأته "أم كلثوم بنت علي" ـ هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت فانطلقت معه، وحملت إليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام، فدخلت على المرأة، وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته، والرجل ينظر إليه متعجبًا وهو لا يعرفه، فلما ولدت المرأة نادت أم كلثوم "عمر" يا أمير المؤمنين، بشر صاحبك بغلام، فلما سمع الرجل أخذ يتراجع وقد أخذته الهيبة والدهشة، فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كل ويحك فإنك قد سهرت الليل!

    وكان "عمر" عفيفًا مترفعًا عن أموال المسلمين، حتى إنه جعل نفقته ونفقة عياله كل يوم درهمين، في الوقت الذي كان يأتيه الخراج لا يدري له عدا فيفرقه على المسلمين، ولا يبقي لنفسه منه شيئا.

    وكان يقول: أنزلت مال الله مني منزلة مال اليتيم، فإن استغنيت عففت عنه، وإن افتقرت أكلت بالمعروف.

    وخرج يومًا حتى أتى المنبر، وكان قد اشتكى ألمًا في بطنه فوصف له العسل، وكان في بيت المال آنية منه، فقال يستأذن الرعية: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام، فأذنوا له فيها.

    عدل عمر وورعه

    كان عمر دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته، بل إنه ليشعر بوطأة المسئولية عليه حتى تجاه البهائم العجماء فيقول: "والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد لها الطريق".

    وكان "عمر" إذا بعث عاملاً كتب ماله، حتى يحاسبه إذا ما استعفاه أو عزله عن ثروته وأمواله، وكان يدقق الاختيار لمن يتولون أمور الرعية، أو يتعرضون لحوائج المسلمين، ويعد نفسه شريكًا لهم في أفعالهم.

    واستشعر عمر خطورة الحكم والمسئولية، فكان إذا أتاه الخصمان برك على ركبته وقال: اللهم أعني عليهم، فإن كل واحد منهما يريدني على ديني.

    وقد بلغ من شدة عدل عمر وورعه أنه لما أقام "عمرو بن العاص" الحد على "عبد الرحمن بن عمر" في شرب الخمر، نهره وهدده بالعزل؛ لأنه لم يقم عليه الحد علانية أمام الناس، وأمره أن يرسل إليه ولده "عبد الرحمن" فلما دخل عليه وكان ضعيفًا منهكًا من الجلد، أمر "عمر" بإقامة الحد عليه مرة أخرى علانية، وتدخل بعض الصحابة ليقنعوه بأنه قد أقيم عليه الحد مرة فلا يقام عليه ثانية، ولكنه عنفهم، وضربه ثانية و"عبد الرحمن" يصيح: أنا مريض وأنت قاتلي، فلا يصغي إليه. وبعد أن ضربه حبسه فمرض فمات!!

    إنجازات عمر الإدارية والحضارية

    وقد اتسم عهد الفاروق "عمر" بالعديد من الإنجازات الإدارية والحضارية، لعل من أهمها أنه أول من اتخذ الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي، كما أنه أول من دون الدواوين، وقد اقتبس هذا النظام من الفرس، وهو أول من اتخذ بيت المال، وأول من اهتم بإنشاء المدن الجديدة، وهو ما كان يطلق عليه "تمصير الأمصار"، وكانت أول توسعة لمسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في عهده، فأدخل فيه دار "العباس بن عبد المطلب"، وفرشه بالحجارة الصغيرة، كما أنه أول من قنن الجزية على أهل الذمة، فأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال، وجعلها ثمانية وأربعين درهمًا على الأغنياء، وأربعة وعشرين على متوسطي الحال، واثني عشر درهمًا على الفقراء.

    في سجل الشهداء

    وفي فجر يوم الأربعاء [ 26 من ذي الحجة 23 هـ: 3 من نوفمبر 644م] بينما كان الفاروق يصلي بالمسلمين ـ كعادته ـ اخترق "أبو لؤلؤة المجوسي" صفوف المصلين شاهرًا خنجرًا مسمومًا وراح يسدد طعنات حقده الغادرة على الخليفة العادل "عمر بن الخطاب" حتى مزق أحشاءه، فسقط مدرجًا في دمائه وقد أغشي عليه، وقبل أن يتمكن المسلمون من القبض على القاتل طعن نفسه بالخنجر الذي اغتال به "عمر" فمات من فوره ومات معه سر جريمته البشعة الغامضة، وفي اليوم التالي فاضت روح "عمر" بعد أن رشح للمسلمين ستة من العشرة المبشرين بالجنة ليختاروا منهم الخليفة الجديد.


    قال الحسن البصري: أتيت مجلساً في جامع البصرة، فإذا أنا بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر وحُسن سيرتهما، وما فتح الله عليهما من الخير، قال الحسن: فدنوت من القوم، فإذا فيهم الأحنف بن قيس، فسمعته يقول: أخرجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلاد فارس، فاكتسينا من أقمشتها الجميلة وثيابها الناعمة المترفة، ثم قدمنا المدينة المنورة، فلما دخلنا على عمر بن الخطاب أعرض عنا بوجهه، وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على أصحاب النبي الكريم منا، قال الأحنف: فأتينا عبد الله بن عمر، وهو جالس في المجلس، فشكونا ما نزل بنا من الجفاء والإعراض من أمير المؤمنين عمر، فقال ابنه عبد الله أن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً ناعماً مترفاً، لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر، فهذا سبب إعراضه عنكم، وجفوته لكم، قال الأحنف: فأتينا منازلنا، فنـزعنا ما كان علينا من ثياب، وأتينا عمر في البزة وفي الثياب الخشنة التي كان يعهدنا فيها، فلما دخلنا عليه ورآنا، قام لنا فرحاً مستبشراً وسلم علينا رجلاً رجلاً، وعانقنا رجلاً رجلاً، حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدمنا إليه الغنائم، فقسمها بيننا بالسوية، وكان من بينها أنواع الحلويات الفاخرة فذاقها عمر، فوجدها لذيذة الطعم، طيبة الرائحة، فأعرض عنها، ثم أقبل علينا بوجهه وقال: يا معشر المهاجرين والأنصار: والله ليقتلن الابن أباه، والأخ أخاه، على زهرة هذه الحياة الدنيا، ثم أمر عمر، بتلك المجامع من الحلويات، أن توزع على أبناء الشهداء والأيتام، ثم أن عمر قام منصرفاً، فمشى وراءه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: ألا ترون يا معشر المهاجرين والأنصار إلى زهد هذا الرجل وإلى حليته؟ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا، منذ فتح الله على يديه، ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، فها هي وفود العرب والعجم يأتونه، فيرون عليه هذه الجبة العتيقة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة، فلو سألتموه تغييرها واستبدالها بثوب لين يهاب فيه منظره.
    وأن يبدل طعامه الخشن الرخيص، بطعام مترف لذيذ، فقال القوم: ليس لتحقيق هذه المهمة، وتنفيذ هذا الغرض، إلا علي بن أبي طالب، فإنه أجرأ الناس عليه، فهو أبو زوجته، أو ابنته حفصة أم المؤمنين، فعرضوا الأمر على علي كرم الله وجهه فأبى، ولكن قال لهم: عليكم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهن أمهات المؤمنين، يجترئن عليه، ولعلهن يستطعن أن يعدلن رأيه.
    قال الأحنف بن قيس فسألوا عائشة وحفصة وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائلة أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة ما أرى أمير المؤمنين يحقق لنا رغبتنا وينفذ طلبتنا، ثم دخلتا على عمر أمير المؤمنين، فاحتفل بهما وأدنا إليه مجلسهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الكلام معك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن النبي الكريم مضى لسبيله، إلى جنة ربه ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر على أثره لسبيله، بعد أن أحيا سنن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قاتل المكذبين، وأدحض حجة المبطلين مع عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضائه رب البرية، ثم قبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه في الملأ الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وأما أنت يا أمير المؤمنين، فقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر، ودانت لك أطراف المشرق والمغرب، ونرجو لك وللمسلمين من الله المزيد، وها هي رسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون، وعليك هذه الجبة الخلقة، وقد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لائق جميل، يهاب فيه منظرك، ولو استبدلت طعامك الخشن، بطعام طيب لذيذ، ليقوى بدنك، وينشط جسدك على حمل أعباء الأمة والرعية.
    فما أتمت عائشة كلامها حتى بكى عمر بن الخطاب بكاءً شديداً. ثم قال يا عائشة، سألتك بالله، هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبع من خبز بر ثلاثة أيام؟ أو جمع بين عشاء وغذاء في يوم واحد حتى لقي الله؟ قالت عائشة لا. قال يا عائشة. هل تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف. ربما حك جلده من خشونتها؟ أتعلمان ذلك يا عائشة ويا حفصة؟ قالتا: اللهم نعم، قال: يا عائشة هل تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان فراشه الذي ينام عليه عباءة، تمد له على طاق واحد؟ أما كان جلد في بيتك يا عائشة، كان لكم في النهار بساطاً، وفي الليل فراشاً؟ وكنا ندخل على النبي الكريم، فنرى أثر الحصير على جنبه.
    ثم التفت عمر إلى حفصة ابنته، أم المؤمنين، فقال لها: ألم تحدثيني يا حفصة أنك ثنيت للنبي صلى الله عليه وسلم عباءته ذات ليلة لينام عليها؟ فوجد لينها فنام ولم يستيقظ إلا بأذان بلال. فقال لك يا حفصة ماذا صنعت أثنيت العباءة والمهاد ليلتي هذه، حتى ذهب بي النوم إلى الصباح؟ مالي وللدنيا، وكيف شغلتموني بلين العباءة عن مناجاة ربي؟ يا حفصة أما تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وكان يمضي جائعاً، ويرقد لله ذاكراً، ولم يزل لله راكعاً وساجداً وباكياً ومتضرعاً، آناء الليل وأطراف النهار، إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه؟ فلا أكل عمر طيباً، ولا لبس ليناً، إنما مثلي ومثل صاحبيَّ قبلي كثلاثة نفر سلكوا طريقاً، فمضى الأول وقد تزود زاداً فبلغ، ثم أتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى ووصل إليه، ثم أتبعهما الثالث، فإن سلك طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يصل إليهما ولم يجتمع بهما.
    أيها الأخوة:
    فلما سمعت حفصة وعائشة من عمر ما سمعتا، رجعتا إلى الصحابة وأخبرتاهم بما سمعتا، ولم يزل عمر على تلك الحال حتى لقي ربه.
    أيها الأخوة:
    هذه هي التربية الإسلامية والأخلاق المثالية الرفيعة، من اقتصاد وتواضع وعدالة وعفة، ونزاهة وإيثار وبعد عن كل بطر وأشر وإسراف وتبذير، مع تقوى الله وخشية منه ومع محاسبة للنفس عن كل جليل وحقير، هذه الأخلاق الكريمة التي بثها النبي الكريم وخلفاؤه من بعده بين العرب، بين أفرادهم وجماعاتهم، هي التي جعلت العرب سادة العالم، كما قال القرآن مخاطباً لهم:
    (كنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَاسِ) ـ آل عمران: الآية 110 ـ
    {ولن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها} والسلام.


    عمر بن الخطاب ورقة قلبه

    بكى عمر بكاء شديداً ثم قال:
    هل تعلمين يا عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شبع من خبز بر ثلاثة أيام؟
    هل تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فراشه جلداً في بيتك يا عائشة كان لكم في النهار بساطاً وفي الليل فراشاً حتى أثر الحصير في جنبه؟ مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقاً فمضى الأول فبلغ، ثم أتبعه الآخر فوصل إليه، فإن سلك الثالث طريقهما لحق بهما وإن اعوج لم يصل إليهما...؟


    منقول


    لله درك ايها الفاروق

    ياخليفة رسول الله

    يامن فرق الله بك بين الحق والباطل

    اللهم اجمعنا بحبيبك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم

    في جنة الفردوس

    وارزقنا مرافقته في الجنة هو واصحابه الكرام على سرر متقابلين

    ولا تحرمنا من لذة النظر الى وجهك الكريم




  2. #2
    شخصية بارزة الصورة الرمزية Prime Rose
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الدولة
    Pardaise Lost
    المشاركات
    8,287
    معدل تقييم المستوى
    1186

    مشاركة: عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

    معلومات تاريخيه قيمة..




    لله درك يادوف


    :)


    هــــــــذا الذي أسميتُـــــــــــــــــه منزلي..




    كان إنتظــــــــــــــــــاراً قبل أن تدخلي !!

  3. #3
    مميز الصورة الرمزية !!عليان ريري!!
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    1,981
    معدل تقييم المستوى
    165

    رد: عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

    dove

    شكرا على المعلومات القيمه

    يسلمووووووو على موضوعك

    عليان ريري

    :)
    لستـ مجبراً أنـ يفهمـ الآخرينـ منـ أنا
    فمنـ يمتلكـ مؤهلاتـ العقلـ , والقلبـ , والروحـ
    سأكونـ أمامهـ كالكتابـ المفتوحـ صباحاً أومساءً

  4. #4
    كبار الشخصيات الصورة الرمزية Abo Lama
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    خارج نطاق التغطية
    المشاركات
    4,240
    معدل تقييم المستوى
    306

    رد: عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dove
    []
    لله درك ايها الفاروق ياخليفة رسول الله يامن فرق الله بك بين الحق والباطل اللهم اجمعنا بحبيبك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم في جنة الفردوس وارزقنا مرافقته في الجنة هو واصحابه الكرام على سرر متقابلين ولا تحرمنا من لذة النظر الى وجهك الكريم
    ]


    دوف







    رحم الله الفاروق


    ولاعدمناك اختي ولاعدمنا مشاركاتك القيمة
    التعديل الأخير تم بواسطة Abo Lama ; 17-10-2006 الساعة 10:01 PM


    على قدر أهل العزم تأتي العزائم
    وتأتي على قدر الكريم الكرائـم
    ;;;
    وتكبر في عين الصغير صغارها
    وتصغر في عين العظيم العظائم
    ;;;

  5. #5
    رحمها الله وغفر لها
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    5,743
    معدل تقييم المستوى
    393

    رد: عهد الفاروق.. دولة العدل والفتوحات

    وكان "عمر" عفيفًا مترفعًا عن أموال المسلمين، حتى إنه جعل نفقته ونفقة عياله كل يوم درهمين، في الوقت الذي كان يأتيه الخراج لا يدري له عدا فيفرقه على المسلمين، ولا يبقي لنفسه منه شيئا.



    دوف ..


    جزاك الله خير .. على نقل سيرة هذا الرجل الذي ملأ الدنيا بالعدل بعد رحيل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصاحبه ..


المواضيع المتشابهه

  1. إلى ملك العدل( رسالة من معلم ومعلمة)
    بواسطة ليت لي حظ في المنتدى المنتدى التعليمي العام
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 07-03-2008, 05:53 PM
  2. أليس من العدل أن نوجه أصابع الاتهام إلى أنفسنا ؟
    بواسطة Supervior في المنتدى المنتدى التعليمي العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-01-2008, 12:36 AM
  3. بخصوص الانتداب هل من العدل انا خمس مناهج وهي اثنين بليز افتوني
    بواسطة Out OF ReAched في المنتدى منتدى اللغة الأنجليزية العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-03-2006, 01:44 AM

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •