"Where Angels Fear to Tread"
E. M. Forster - 1905
(حيث تخشى الملائكة أن تتنزل) - الطبعة الأولى عام 1905م
للكاتب الإنجليزي إدوارد مورغان فورستر
رواية تنقض على بعض من عيوب المجتمعات من سوء التربية ومأساة التسلط بأسلوب ساخر..ولاذع في جوهر معناه للروائي الإنجليزي فورستر (1879-1970) اللندني المولد. محاكياً بذلك أبناء جلدته المشهورين بالأسلوب النقدي كـ تشارلز ديكنز وغيره ..
تحكي الرواية على وجه التحديد مأساة الشباب في المجتمعات التي قيّدت أبنائها بقيود ما أنزل الله بها من سلطان..ودفعت بهم لبوابة الموت بلا شعور وأحياناً بشعور متعجرف ومُكابر.. وهي تتركز على شخصيتين بشكل مكثف:
1- (فيليب) الساخر من كل ما يجري حوله وهو الابن الوحيد من "آل هيريتون" بعد موت أخيه "تشارلز" تاركاً زوجته الأرملة (ليليا) للبؤس والاستبداد من عائلته ..
2- (أبوت) الغامضة والمترددة وهي صديقة ليليا والتي ترافقها لايطاليا وتشهد على مأساتها هناك ..
تُبعث ليليا بصحبة الآنسة أبوت لايطاليا لعل وعسى يكون في رحلتها ما يسليها عن بؤسها بعد موت زوجها تشارلز .. وفي ايطاليا - في بلدة سيينا - تلتقي ليليا بـ"كاريلا جينو" الشاب الايطالي الرومانسي والوسيم والمُعدم وتعجب به وتتزوجه في تحدٍ كبير للفروق الإجتماعية والفكرية والثقافية ليس حباً به ولكن كرهاً بغيره، رغم محاولات فيليب المتأخرة. وتنتهي أزمتها مع هذا الزواج بشكل مأساوي حيث الوحدة والخيانة التي لاقتها من زوجها كاريلا واضعة له الطفل الذي رغب به زوجها وتموت هي أثناء الولادة..
ثم يبدأ كل مَن شعر بمسؤوليته تجاه مأساة (ليليا) التحرك لاستعادة الطفل من الأب الايطالي "الوضيع والمتعجرف بنظرهم"..وكل له دافعه - الآنسة أبوت وكذلك فيليب وأخته هارييت بعد أن بعثت بهما الأم - إلا أن أيّهم لم يكن ليعمل ما يراه صواباً بقدر ما يتبّع أهواء غيره ممَن أجادوا التسلط عليهم في مجتمعاتهم..
يفشل الجميع في أخذ الطفل من أبيه رغم الإغراء المالي الكبير المعروض على جينو ورغم حاجة جينو الشديدة للمال..وبعد هذه الممانعة تحدث المأساة الختامية..!
- - - - - - - - - - - - - -
مقتطفات من الرواية:
--------------------------------------------------------------------------------
أولى المقتطفات تجمع فيليب بـ أبوت وكان فيليب قد قدم من انجلترا لايطاليا محاولاً اثناء ليليا من الزواج بالفتى الإيطالي (كاريلا جينو) على اعتبار أن زواجها منه يُعتبر إساءة لذكرى أخيه (تشارلز) الذي هو زوجها المتوفي وإساءة لابنتها الصغيرة منه .. محاولاً أن يجمع المعلومات عن جينو من خلال الآنسة أبوت:
(( نظرت – أبوت – إليه بحدة، لم تفهم ما قاله. لكنها شعرت أنه شديد الذكاء، ثم استطردت في دفاعها عن السنيور كاريلا:
- حالياً، هو كـ بقية الشباب يبحث عما يقوم به.
- وحتى آنذاك؟ (فيليب يسألها)
- وحتى آنذاك حاله حال بقية الشباب، يقيم مع عائلته..والده ووالدته وأختيه وأخيه الصغير.
كان المرح يعتريها بصورة أفقدته رباطة جأشه فعزم على أن يُسكتها قائلاً:
- سؤال واحد فقط وأخير..ماذا يعمل والده؟
أجابت الآنسة أبوت:
- والده، حسناً لا أظنك ستعتبره زواجاً مُتكافئاً وهذا ليس مهماً، أعني لا يُعتبر الفارق الإجتماعي مهماً...الحب في نهاية المطاف...ليس...بل...أنا..
صرّ فيليب على أسنانه ولم يقل شيئاً.
- للرجال النبلاء أحكاماً قاسية في بعض الأحيان، لكني أظن أنكَ ووالدتك في مجمل الأحوال..مُنصفَين وجليلَين..وفي نهاية المطاف فإن الزيجات المبنية على الحب هي هبة السماء.
- أجل يا آنسة أبوت أعرف هذا. لكن اختياركِ لعبارة (السماء) تقلقني، فهل ستتزوج زوجة أخي ملاكاً؟
- أرجوك سيد هيريتون توقف؛ طبيب أسنان..أبوه طبيب أسنان.
صرخ فيليب بتقزز وألم ثم ارتجف وابتعد عنها:
- "طبيب أسنان!"..."طبيب أسنان في منتريانو!"..."طبيب أسنان في أرض الخرافات!".... أسنان اصطناعية، غاز مخدّر، كرسي مائل، حيث عاشت جماعات (الأترورية) والأيقونة (الرومانية) و(الأرليك) بذاته، والكونتيسة (ماتيلدا) والعصور الوسطى. كل ما مضى من قتال وقداسة ونهضة، الصراعات والجمال!..
لم يُطق – فيليب - التفكير بـ(ليليا) وازداد قلقه على نفسه من أن تقتل بصنيعها الرومانسية بداخله..ثم أردف قائلاً:
- الرومانسية لا يُمكن اقتلاعها بكماشة الأسنان من دواخلنا، لكن لمسة بسيطة قد تحررها..وكلما عجّلت – ليليا - بالمغادرة كان أفضل لي..
وفي الحين الذي كانت الرومانسية تُنتزع من جسد فيليب انتزاعاً جعله يصرخ من وجع الألم.. قائلاً:
- لا يسعني التفكير في ما يخبئه القدر فإن كانت ليليا عازمة على إلحاق العار بنا كان عليها البحث عن طريقة أقل اشمئزازاً. ))
وهذا مقطع يوضّح مدى مأساة ليليا بعد مرور سنة من زواجها بجينو المضطرب والذي اكتشفت فيما بعد أنه يخونها مع غيرها من النساء..ومأساتها تكمن بعزلتها في تلك البلدة غير قادرة على الرحيل وغير قادرة على البقاء .. بل حتى أن هارييت أخت زوجها السابق منعتها من إرسال رسائلها لابنتها الصغيرة ..
(( وتلقت ليليا رسالة قصيرة من هارييت تفيد بأنه لم يعد من حقها مراسلة الفتاة بشكل مباشر وختمتها بمواساة رسمية وباردة. وكادت ليليا تجن حين فرغت من قراءتها.
قال زوجها: ترفقي بحالك! ترفقي!
كانا جالسَين على الشرفة وصار غالباً ما يقضي المزيد من الوقت معها، يقضيه في النظر إليها وهو مشوش وقلق وبالطبع غير نادم.
قالت منهارة:
- "تفاهة"..ودخلت للغرفة ومزّقت الرسالة ثم كتبت رسالة أخرى قصيرة لـ(كينجكروفت) خلاصتها: (هبّوا لإنقاذي) ..
ليس بمقدر الرجل أن يتفرج على زوجته وهي تبكي وتكتب – خاصة إن اقتنع أن معاملته لها هي في الغالب لائقة ولطيفة. كما أنه ليس من اللائق أن تُكاتب الرجال في حضرته. وليس من حقها أن تلوّح براحة يدها بوجهه حين يُغادر الغرفة ظناً منها أنه مشغول بسيجارته.!
ذهبت ليليا إلى مكتب البريد لكن في ايطاليا ثمة الكثير من الطرق لتدبير الأمور. فموظف البريد صديق لـ جينو. لهذا لم يتلقَ السيد كينجكروفت رسالتها للأبد بكل أسف. ))
وهنا حوار صريح دار بين فيليب وأبوت بعد "خراب مالطة" إن جاز القول..
(( سألته بعد برهة:
- لماذا لم تغضب مني؟
- لأنني أفهمكم جميعاً..أظن هذا .. أفهم هارييت والسنيور كاريلا، حتى الوالدة.
- لك بصيرة مذهلة.. على ما يبدو إنك الوحيد بيننا الذي يفهم هذه الفوضى.
ابتسم بفرحة، لمَ لا..فهذه هي المرة الأولى التي تمدحه بها، ووقعت عيناه على صورة لـ(ديوداتا)، وتأمل اللوحة ومدلولاتها.
قاطعته أبوت:
- ماذا ستفعل؟
دُهش فيليب، ليس من سؤالها وإنما من التغيير المفاجئ في نبرة صوتها:
- سأفعل؟ بعد الظهر سأقابله مرة أخرى.
- حسناً وإن لم تصل معه لنتيجة؟
- سأقابله مقابلة أخرى، وإن فشلت سأرسل برقية للوطن لأحصل على تعليمات جديدة..قد نفشل حرفياً ولكننا سنفشل بشرف!
- لا فائدة تُذكر من هذا!.. قد تُفلح إن اختطفت الطفل!.. أو إن غادرت على الفور. لكن ما تقوله؟! "نفشل بشرف!"..أن تخرج بأقل قدر من الخسارة!.. هل هذا كل ما تطمح إليه؟
أجاب متمتماً:
- نعم، ما دمنا نتكلم بصراحة، أجل هذا كل ما أطمح إليه..ما الذي يضير؟.. إن أقنعتُ السنيور كاريلا كان بها، وإن استعصى عليّ، فيجب أن أُخبر والدتي بفشلي وأعود أدراجي للوطن.
حسنٌ يا آنسة أبوت .. أعجز عن كشف ما يجول بخاطرك.....
- بل أتوقع منك أن تقرّر ما هو الصواب وتنفذه. هل تريد أن يظل الطفل مع والده الذي يحبه ليسيء تربيته أم نأخذه لسوستون حيث لا أحد يحبه وسينشأ نشأة حسنة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تُجيب عليه بهدوء..قرّر إلى أيّ جانب أنت ولا تتحدث عن "الفشل بشرف" الذي يعني أن لا تُفكّر لوحدك وألا تفعل أيّ شيء.
- أنا أفهم وضع السنيور كاريلا وموقفك منه، ولا مبرر أن....
- لا، لا تعرف. قاتله إن كنت تظن أنه على خطأ... أوه، ما الفائدة من إنصافك إن لم تُقرّر بنفسك؟ أيّ أحد يستطيع السيطرة عليك لتفعل ما يشاءون، وأنت ترى ما ينوون وتسخر بهم...لا يكفي أن تمتلك البصيرة، أنا مشوشة..خرقاء..ولا أملك رُبع ما تملكه، لكنني قمتُ بما بدا لي صواباً حينها. أما أنت..فذكاؤك وبصيرتك مذهلان .. لكنك حين ترى الصواب فأنت لا تُقدم عليه.
لقد قلتَ لي ذات مرة أننا نُحاسب على نوايانا وليس أفعالنا وبدت لي ملاحظة مُذهلة. لكن ينبغي أن ننوي أولاً لكي نعمل...لا أن نجلس مكتوفي الأيدي ونكتفي بالنية فقط.
- أنتِ رائعة؟
انفجرت به:
- أوه، أنت تشكرني! ليتك لا تفعل.. تقدّرنا جميعاً...بينما أنت ميت..ميت..ميت، تأمل نفسك لماذا لا تغضب؟
اقتربت منه، تغيّر مزاجها، وأمسكت بيديه معاً قائلة:
- أنت رائع جداً سيد فيليب، ولا أتحمّل أن أراك تضيع، لا أحتمل... إن أمك لم تُحسن التعامل معك.
- يا آنسة أبوت لا تخافي عليّ، فبعض الناس لم يُخلقوا لينجزوا أيّ شيء. وأنا واحد منهم..لم أُنجز شيء يُذكر في المدرسة ولا الحانة. جئتُ هنا لكي أمنع زواج ليليا ولكن الوقت أدركني..جئتُ لأنقذ الطفل وسأعود "بفشل مشرّف". لا أتوقع أن الأمور ستتغيّر وأنجز شيئاً الآن، ولهذا لم يخب أملي أبداً. قد يُدهشك أن تعرفي أن ذهابي للمسرح البارحة وحديثي معك الآن..هو أفضل ما حصل لي حتى الآن. قُدِّر عليَّ أن أمرَّ بالعالم دون أن أصطدم به أو أغيّر أيّ شيء منه.. ولا أعرف إن كان قدري هذا حسناً أم سيئاً. أنا لا أموت..ولا أعرف الحب، وإن مات الآخرون أو وقعوا في شباك الحب فهذا يحصل دون أن أشعر به. أنتِ محقة فيما قلتِ، فالحياة تبدو لي مجرد مشهد مسلٍ ..
قالت بوقار:
- أتمنى لو تتغيّر يا صديقي العزيز.. أتمنى أن يحصل لك ما يغيّرك.
سألها مبتسماً:
- "لماذا؟" أثبتي لي لماذا لا أليق كما أنا..؟
- بادلته الابتسامة.. ولأنها لا تستطيع الإثبات، انتهى الحديث الذي لم يخلص لنتيجة وغادرا المكان بنفس الآراء والمبادئ التي دخلا بها. ))
المفضلات