السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ولبست أسماء النظارة
أسماء التي احتكرت عنوان هذه الصفحة هي طفلة .. بكل ماتعنيه كلمة الطفولة من معاني ..
ضحكتها تسبقها لأي شيء تفعله ..
ابتسامتها تكاد لاتفارق محياها .. حتى في المواقف التي تجعل غيرها من البنات تبتئس وتبكي ..
مرحها يسبق تجهمها ...
تشعر حين تراها انك تعود طفلا .. موغلا في الطفولة ...
أحبها جدا .. وأحب حماسها .. هذا الذي جاء وليدا جديدا على علاقتي بها كمعلمة وطالبة ..
كانت هذه الأسماء .. طالبة تعيش مع ابتسامتها فقط .. لا أجد لها صداقات عديدة كبقية البنات .. وحتى نشاطها محصور بينها وبين نفسها ..
حاولت مرات عديدة ان أدخل عالمها لكنها كانت تصدني بابتسامتها ..المعهودة .. فكنت اخجل من طرق أبوابها أكثر ..
فعلى الرغم من عمرها الزمني القصير إلا أنك تشعر وأنت تقف امامها انك امام نخلة باسقة القامة .. تفرض عليك نوعا من الاحترام لخصوصيتها ...
كنت أفاجأ أحيانا أثناء شرحي .. أنها تسرح بفكرها بعيدا .. وهي التي تجلس في المقعد الثالث قبل الاخير .. وحين انهرها لتنتبه .. أجد من جديد ابتسامتها سفيرة لقلبي لأصفح عنها ..
علاماتها كانت متدنية لدرجة طرق باب الرسوب في العديد من الاختبارات الشهرية والتقويمية ..
كنت لم أصل بعد لمسببات ذاك الاهمال المتعمد منها .. على الرغم من أن جذوة الذكاء تكاد تخبر الكون أجمع انها طفلة فوق العادة !
إذا مابها أسماء .. ولم هي كذلك ..
كعادة كل المعلمات .. نرجع الاسباب لمشاكل عائلية .. مما جعلني أرجع لتاريخها الاسري .. ولكني اصطدمت بحياة اسرية هادئة تحياها تلك الصغيرة .. مما جعلني أمام سورٍ عال ٍ .. أبت كرامة المعلمة وطموحها الغبي إلا أن تنقب أكثر .. فهي المعلمة العاتية التي لم تقف امام بوابة فكرها مشكلة .. فكيف بهذه الصغيرة التي تسافر بابتسامتها ان تهزمها عن معرفة السر وراء اندساسها خلف الاهمال المتعمد .. !
بحثت حتى كرهني البحث .. وكم من المرات استضفتها .. ولاطفتها بقطعة حلوى .. أو صورة جميلة لإحدى شخصيات الكرتون المفضلة .. لأكسر حاجزا بيني وبينها .. ولكن لم أفلح ...
ومضت الايام وهي كما هي .. وانا كما انا .. قلق يسافر بي ويعود ... واهتمام لا أجد له مبررا سوى اسبابي الواهية التي ذكرت أعلاه ..
ذات نهار تغيبت تلك الأميرة السائرة بخطى من غمام فوق قطرات الندى .. فتسائلت عنها .. قالوا متعبة !
هو عذر معهود لدينا في المدارس لكن لا أدري لم اهتممت أكثر بها .. !
متعبة من ماذا .. وماالذي أتعب طفلة الغمام !
جلست ارقب قدومها في اليوم التالي ولم تحضر كيومها السابق ..
وجاء اليوم الثالث وانا في ترقب لها .. وشعرت كأني طفلة ترقب معلمة تحبها .. وان الآية عكست بيننا .. ولم أشعر إلا بجنحان الفرح تحملني وانا اشاهدها تجر حقيبتها ( حقيبة فلة ) ..
لم اطق صبرا وانا انتظر مجيء حصة الصف الذي تدرس فيه اسماء لأقابلها ..
وحين دخلت فوجئت بأخرى .. جديدة .. أسماء مختلفة هذا اليوم ..
شكلها ابتسامتها التي ازدادت اتساعا وتغييرها لمقعدها .. لتجلس أمامي مباشرة .. !
معلمتي اشتقت لكِ ...أول كلمة نطقت بها طفلتي الحبيبة .. وكاد اللسان ان ينطق بأنني اشتقت لكِ أكثر ولكن أبى كبرياء المعلمة و( برستيجها ) ان يعترف .. استاقت لج العافية ... هكذا رد ذاك القاسي الخافق بين أضلعي ..
معلمتي ألم تلحظي اختلاف شكلي .. ؟
بلى ..!
هل انا ( حلوة ) ...؟
أنتِ دائما حلوة يا حلوتي ..؟
أنا لبستها لأنكِ قلتِ لي أن ألبسها أكثر من مرة !
من أجلي انا !
نعم معلمتي ..أنتِ !
هنا خفق الفؤاد خفقة لاتزال تعصف بكياني كاملا ..!
ولم أشعر إلا بأسماء تنهض من مكانها وتقترب مني لترفع نفسها محاولة الوصول لخدي .. تقبله وتشكرني ...!
معلمتي أنا ( الحين اشوف احسن ) ....!
من ذاك الموقف جلست أرقب وأشاهد اسماء جديدة .. متألقة .. لامعه.. ذكاءها الذي كانت تخفيه خلف هدوءها .. بدأت درجاتها في التزايد .. في مادتي وكل المواد ..
الكل يثني على أسماء .. الكل يمتدح أسماء .. الكل يهتف باسم تلك المبدعة الصغيرة التي ولدت من جديد خلال الفصل الدراسي الثاني ..!
الآن عرفت ماجهلته ..
الآن فقط أدركت ذاك السر الذي غفلت عنه عنجهيتي .. وأبى غروري ان يتقبل فشلي في معرفته ..
الآن فقط بدأت أخجل من نفسي وانا اذكر كيف كنت انهرها حين تطيل النظر للسبورة وهي تنقل ماكتب عليه ..!
الآن فقط بدأت أدرك لماذا تجلس حزينة في كرسيها الثالث قبل الأخير ..!
الآن فقط حظيت بشرف معرفة أسماء الجديدة ... بعد أن لبست نظارتها ..لأني قلت لها ذات يوم ..( انتي ماتشوفين يا أسماء البسي نظارة ) ...!
الحاحي الغاضب عليها بلبس النظارة .. رسائلي المعاتبة لوالديها ..!
وبعدها أكون انا السبب ( بحب ) ان تلبس تلك الأسماء .. نظارة !
أقسم يا أسمائي انكِ الان أبهى ... وأروع !
مبارك على النظارة وعلى معلمتكِ ...أسماء الجديدة .. بل .. أسماء الحقيقية !
كثيرة هي المواقف التي يستحقون عليها أوسمة .. وقد تكون هذه المعلمة أختي الامل هي الاقل استحقاقا من بين جميع المنتسبات لهذه المهنة السامية - رغم التحفظ عليها في وقتنا الحاضر - ...
أولادكم هم أمانة في أعناق كل منسوبي سلك التربية والتعليم فلاتخشي عزيزتي .. لايزال الخير في أمة محمدٍ باقٍ لقيام الساعه .. ولايزال الضمير هو أساس التعامل ...
منقووووول
المفضلات